فی بستان الجهل
ترجمة وتقدیم: جلال زنکَابادی
أکمل دراسته الابتدائیّة فی مشهد، وبعدها نزحت عائلته إلى طهران، حیث استأنف مرحلتیّ : المتوسّطة والثانویّة، وعمل بعدها معلّماً فی أطراف طهران، بالإضافة إلى مواصلة دراسته الجامعیّة، والعمل الصحافی والترجمة...وقد حاز على شهادة البکالوریوس فی اللغة الإنجلیزیّة وأدبها. وفی سنة 1959 تزوّج من زمیلته فی الدراسة بری منصوری(المترجمة والقاصّة المعروفة لاحقاً) وفی سنة 1975 هاجر کیانوش عائلیّاً(مصطحباً زوجته وابنه کاوه العالم لاحقاً، وابنته کتایون الفنّانة التشکیلیّة لاحقاً) إلى إنجلترا واستقرّ فی لندن ، حیث مازال یعیش هو وزوجته شیخوخة مثقلة بالفاقة والمرض، علماً أنّهما ظلاّ یزوران بلدهما إیران بین فترة وأخرى، حیث کانا ینشران بعض کتبهما المؤلّفة والمترجمة.
لقد رفد کیانوش المکتبتین الإیرانیّة والإنجلیزیّة بأکثر من (80 کتاباً) بل هو أبرز أدیب ناشط بین أترابه وأقرانه من الشعراء( فریدون تولّی، نادر نادربور و محمد زهری ...) ضمن الرعیل الثالث(بعد رعیلیّ الشاعرین : نیما یوشیج و أحمد شاملو.....) فضلاً عن کونه أبرز من قدّم باللغة الإنجلیزیّة ترجمات لقرابة ستین شاعراً إیرانیّاً (من القدامى والمعاصرین) والعدید من الدراسات فی شؤون الثقافة الإیرانیّة...
ومع کلّ ماسلف لمْ یلق کیانوش الاهتمام النقدی اللائق بعطائه الثر والمتنوّع قیاساً إلى آخرین لاتبلغ قامة أفضلهم ربع قامته الشامخة؛ لأسباب، أهمّها: غیابه المدید عن المشهد الثقافی الإیرانی، وما یسود المشهد نفسه من حزازات وحسد واستحواذ...وکذا الحال فی مجال الترجمة إلى اللغة العربیّة، باستثناء ترجمة کاتب هذه السّطور لمجموعته(عبر شبّاک تاج محل) ومنها القصائد القصیرة الآتیة، التی تجلو سمات شعریّته البارزة : العمق والشفّافیّة وقوّة الصورة المُجسّدة باقتصاد لغوی، فضلاً عن النزعة الإنسانیّة الطاغیّة على مضامینها المطروحة بتعبیریّة رمزیّة.
الشاعر
واقفاً جنب الشبّاک
تتمعّنُ فی الألوان
مستقصیاً فی کلّ لونٍ
لوناً آخر لمْ تخطرْ سیماهُ على بال
ویسمعون منک اسمه!
ثمّة دفترٌ أبیض مفتوح
على منضدتک الصغیرة
والقلمُ رهن أصابعک
یکرّرُ لعبةَ القدر
ولاتصدّق أنّ ذاک اللون
یجهله حتى أشقّاؤه!
ثمّ تغادرُ الشبّاکَ برهة
لتمزج الکلماتِ
وإذا بالدفتر الأبیض
یظهر لونک المضاع
فتتلفّتُ حوالیک مبتهجاً جدّا
لعلّک تجدُ أحداً
تنبئه:
- " ها قدْ وجدتها
وجدتُ قصیدتی!"
أوّاه یاشاعری
کمْ کان أسلافک مثلک سذّجا
فی البحث عن رفاق خیالیین!
ومثلک لمْ یبارح العشقُ جوانحهم
فضعْ قلمک إذَنْ واحْنِ رأسک
واعبر هذا الزقاق الحالک
حیث لاعاشق
ولا مَنْ یصدّق العشقَ فی هذا الزمنْ!
الکلمات
ما بیننا
منْ قلقِ الدعوات
حتى هدأة التفهیم
بحرٌ بلاتخوم
وکلُّ یوم
ینفصلُ عن الغدِ
بعاصفةٍ[هوجاءْ]
والکلماتْ
هذی الزوَیْرقاتْ
إلى ساحلک تأتی
وأنا مازلت ماکثاً فی ذاتی
لیس خوفاً من الغرقِ
إنّما خجلاً من الافتراءْ!
المطر
لاتتوقّعْ ولاتسل الغیومَ
عنْ مفهومِ العدلِ والرحمةْ
فهی لاتفقِهُ الحسابْ
فإذا ما حبلتْ غیمةْ
فأنّى تکون وفی اللحظةِ المحتومةْ
تلد مولودها الزکیَّ
مادام الثرى مهدَ الحیاة.
لکنّما الآنْ
تسفّدُ بندقیّتک بالطلقاتِ
وتصوّبُ على الحیاة
حیث الحقدُ یبتغی القربانْ
أمّا الفیضانْ
فلایهابُ شیئاً
إذ یجتاحُ قصورَ المغتصبین
ویجرفُ الغلالَ غیرالمحصودةْ
لئلاّ یکنزوها فی خزینة الاحتکار.
الخلاص
لایُعشّشُ الخلاصُ
فی صرخات-العزلةِ- المبعثرةْ
فقلْ للتعساءِ أنْ یستنبتوا شجرةْ
تعلو[هامة]الشمسِ وتبسطُ أغصانها
على الأرضِ کلّها.
بینما یجلبُ اللیلُ العزلةَ
والخوفَ إلى داری
تکونُ الشمسُ فی دارک
قدْ أشرقتْ توّا
فلا یصبحُ ظلّک عدوّا
بلْ رفیقاً حمیماً فی الأسفارِ
لربّما یحطّ الخلاصُ فی سروبه هنیهاتْ
على غصن- صرختک- العدیم الجذورِ
إنّما لاتنسَ أنّ اللیلَ
لمّایزلْ یخیّمُ على داری
وهیهاتَ أنْ تمکثَ الشمسُ فی دارک هیهاتْ.
الطّاووس
کان[نورُ]الشمسِ
أباکَ ذا البأسِ
وکانت الأرضُ
أمّک الحادبة
بإحساسِ الشمسِ
وأنفاسِ-الهواء- الیقظى
أنا شقیقک أیضا
لکنّنی لمْ أحظَ باستحقاقی
من الحنان والأنوار؛
فتعقّدتْ نفسی
[فی آلامی ویأسی]
والآن ها هو زیّک الزّاهی
یزیّنُ داری
فقلْ للأرضِ والشّمسِ:
- " یغدو الأخُ المغبونُ
عدوّاً [ضاری]"
کی یُغیّرا لک زیَّ الاستتارِ.
نکران
أشهدُ[شدقَ]حفرةٍ مفتوحاً
على أبدیّةِ خطأ ما
یشبهُ جرحاً
لنبضهِ المیّتِ صرخةٌ خامدة
تقولُ عینای بوثوق:
- " أجلْ...إنّه الجوع!"
ثمّ أرى[ثغرَ] حفرةٍ أخرى
یشبه وردة
فی أوجِ التفتّح، لکنّ قلبی
یقولُ مستنکراً:
- " لا،لا...إنّها اللاجدوى!".
السّکّان
مازال المزید من النجوم
بلاإحصاء
ونحن[البشرْ]
مابرحنا نحسبُ مانملک ومانشاء
مانستحصلُ ومانصرف
[ومانهدرْ]
ماکانت الحیاةُ علم فلک
مع ذا عشنا حیواة منجّمین
وظلّت النجومُ لاتُحصى
بینما صارَ کلٌّ منّا رقماً
متعلّقاً بسخف
بنجمةٍ ما!.
فی بستان الجهل
فی سائر بساتین(سوترا)
لمْ أجدْ علامة
لبرعم لحم أو لورقة خبز[أثرا].
کانت غصون الکلمة
مثقلةً بفواکه الوهم الحجریّة.
فعدتُ القهقرى
إلى بستان الجهل
وقطفتُ من غصن(کرما)
فاکهةً حلوةً شوکیّة
فآلمَ شوکها لسانی
ونوّرَ لحمُها بعطر الخبز عینیَّ.
الهدیّة الزائفة
"أیَّ هدیّةٍ ستأخذ لأولئک الأصدقاء؟"
سألتنی زوجتی وهی تحملُ بیسراها
تمثالاً لـ (شیفا) یحفّهُ لهبٌ عاجیّ
وبالیمنى منحوتةَ ثورٍ من الآبنوس المصقول.
یقیناً ؛ لمحتُ فی عینیها الحانیتین
نیّةَ إهداء روح الشرق إلى جسم الغرب!
فانتزعت منها التمثالین
وأعدتهما إلى الرّفّ
ومنحتها قُبلةً هدیّةَ ذکرى
مزجتُ بشهدها بسمةً مرّةْ
وأنا أهمس فی أذنها:
" والآن ستمنح هدیّتنا الزائفة
فی سوق المقایضة ألقاً جدیداً لعیونهم الزرق!"
محارة الشّک
کرّکتُ کلّ عمری أعزبَ خنوعا
على بیضة شکّ...
والآن کیف یمکننی
أن أتوقّعَ أن تفقس هذه البیضة
عن قبّرةِ فکرٍ بهیّ
مادمتُ
کلّما أبتلع أحد[هواجس]الخوف اللاتحصى
من المستقبل؛
أسمع فی أعماق قلبی
هسهسة أفعى
تهمّ بتکسیر محارة الشکّ
لتقطع الطریقَ على مستقبل الإنسان؟!
مدینتی
مدینتی فصّ من الحبّ
فی خاتم الذکرى
هیَ لی
لکنّها لیست فی إصبعی
ولا فی جیبِ انتظاری
ولا فی مجرى لحنی!
مدینتی خاتمٌ فی الرّهنِ
فإنْ رمتُ استرداده
لابدّ لی
منْ أنْ أعودَ عاریا
إلى کهف الحُـلی
وإذا ما ظلّ مرهونا؛
سأغوص فی قلبِ الانفجارِ!
أرواح
أرواحُ الوحدةِ فی مستنقعْ
مع تفکیر ِ النیلوفرْ
وإشارة اصبعِ امرأةٍ حُبْلى
فی فضاءِ التوجّعْ
بینما تخمدُ نجمةٌ
قبلما تبتسمُ أخرى
روحُ الجوعِ
فی یأسِ عزلةِ الکلابِ والبشرْ
مع سخاءِ الکولیرا
وسفینة آخر نظرةْ
تحملُ رسائلَ منْ برکات- الثرى- المزوّرةْ
إلى عظمةِ- السماءِ- المشکوک فیها
إنّها
أرواحُ البارود واللیالی
أرواحُ الأخوةِ والرُّماح
أرواحُ الرّزّ و( بوذا)
أرواحُ الناّرِ و (زرادشت)
أرواحُ الأجلافِِ والهلال ×
أرواحُ الصرخاتِ والسّدى [ أدراج الرّیاحِ]
فیا طفلی کنْ صبورا
فالانتظارُ لنْ ینتهی أبدا!
× ترجمة بتصرّف.
على عتبة الحقیقة
ها أنت ذا تتأمّل یدیک بعینین تذکران
إشراقاتِ شموسِ السنین السبعین اللامحسوبة
بیدین نسیتا الأسمال..
إیه...یا من لم ترتق کلَّ الجبال
یا من لم تخضْ کلّ البحار
یا من لم تصمد أمام أیّ إعصار
ولم تستضف أیّ داء فی دارة جسمک
أراک الآن تستقریء یدیک
وتستفسر منهما مالم تسأله من نفسک أبدا
ولیس ثمة من یجیبک أبدا
لکنّما ستمنح یداک جوابک للأرض؛
ستخجل الأرض فی حضرة الشمس،
ولسوف تدلهمّ الشمسُ
بینما تتلألأ على عتبة الحقیقة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارات وهوامش:
× مابین القوسین المقرونین[ ] إضافة من المترجم؛ لما یقتضیه السیاق اللغوی بالعربیّة، وسیاق المعنى.
× زوَیْرق: مصغّر(زورق)
× سوترا: الحکم والعظات الموجزة البلیغة للدیانة الهندوسیّة؛ حسب تلخیص الهندوس لها.
× کارما: بمثابة قانون الجزاء والعاقبة الأخلاقیّة لأعمال الإنسان فی الدیانة الهندوسیّة
× شیفا: إله الدمار والقسوة المنتسب إلى عنصر النار، فی الهندوسیّة.
المصدر:
1- از بنجرهء تاج محل/ ط1 طهران1972 مع النسخة المنقحة التی زوّدنی بها الشاعر نفسه(مشکوراً) فی 2007 وکذلک الترجمة الإنجلیزیّة للمجموعة نفسها من قبل الشاعر نفسه، والتی زوّدنی بها الشاعر نفسه(مشکوراً) فی2007
* جلال حسین محمد بالانی (لُرستانی): شاعر وباحث باللغتین الکردیّة والعربیّة، ویترجم إلیهما عن اللغات: الفارسیّة، الإنجلیزیّة، الإسبانیّة والترکیّة...